مستقبل الدولة في ظل العولمة


كتب في عام 2005
شهدت بدايات القرن العشرين نهاية إمبراطوريات عظمى كالامبراطورية العثمانية والنمساوية و المجرية، ومنذ الحرب العالمية الثانية ، حدثت انقلابات هامة على الصعيد الدولي ، اثرت بعمق على الوجه الكلاسيكي للدولة ، ومع انتهاء الحرب الباردة ، اصبحت العولمة تحتل الموقع الصدارة في الابحاث السياسية ، خاصة بعد شيوعه كنظام عالمي ، إضافة الى ذلك واجهت الدولة مصاعب عديدة حدت من دورها ولا سيما ان الشعب بدأ يشعر بتقصير الدولة في تامين الرفاهية له .
فما علاقة الدولة بظاهرة العولمة ، وهل صحيح ان العولمة تشكل تهديداً للدولة ؟ هل صحيح ان الدولة ستزول ليحل محلها المجتمع العالمي ؟ .
اسئلة عديدة ، دفعني الفضول وحب البحث الى الولوج عمقاً في دراسة هذه الموضوع ، ولنكتشف مدى قدرة الدولة على التأقلم مع الأوضاع المستجدة ، وبالتالي تأثيرها الكبير على العلاقات الدولية وعلى المجتمعات من جهة اخرى .
على مستوى المنهج ، ان بحثنا يعتمد على المنهج الاستقرائي الذي ينطلق من إعطاء الدليل ومن ثم ابراز النتيجة التي توصل اليها البحث .
وللوصول نحو الغاية المنشودة ، كان لا بد من تقسيم البحث الى ثلاثة فصول :
بدءاً من تحديد لمفهوم الدولة والذي ينقسم الى ثلاثة مباحث ، الاول عرض لأهم النظريات في تفسير الدولة ، والثاني شرحاً مختصراً لعناصر الدولة، أما الثالث فهو ابراز لدور الدولة وأشكالها .
و الفصل الثاني فهو بعنوان مفهوم العولمة ، والذي ينقسم بدوره الى ثلاث مباحث ، الأول تحديد لنشأة الدولة ومفهومها ، والثاني عرض لأشكال العولمة ، أما الثالث فهو شرح مبسط لمفهوم العولمة .
أما الفصل الثالث فهو الأهم ، إذ انه عرض لمستقبل الدولة في ظل العولمة ، وعرض للنتيجة التي توصل اليها بحثنا .
وفي الخاتمة ، هناك تلخيص لأهم الأفكار الواردة في هذا البحث .  
مع الشكر و الامتنان لكل من ساهم في إنجاز هذا البحث ، عسى الله أن يحقق النجاح المطلوب ، وجعله محل استفادة للمهتمين في هذا المجال .

الفصل الأول : مفهوم الدولة

تعتبر الدولة الإطار المؤسسي الأول ، الذي ينطوي تحته جميع المؤسسات السياسية و القانونية لجماعة ما ، والدولة هي أهم عوامل وحدة هذه الجماعة ، بواسطتها يمارس المواطنون حقوقهم . فما هو مفهوم الدولة وما عناصرها ؟ وبالتالي ما هي وظائفها ؟
المبحث الأول : أهم النظريات في تفسير نشأة الدولة
تناول الفلاسفة والمفكرين الدولة وفسروها على  :
1-  أنها ظاهرة قوة ،
2-  أنها ظاهرة إرادية تعاقدية ،
الباب الأول : الدولة ظاهرة قوة
الدولة ظاهرة قوة تعني أن الدولة نشأت كنتيجة لصراع على السلطة بين مجموعتين من الناس ، أدت إلى غلبة فئة على حساب أخرى وتحول الفئة المنتصرة إلى حاكمة والأخرى إلي محكومة ، ومن جهة نشأ الترابط الجدلي بين الحاكم والمحكوم . وبالتالي نشأت الدولة تحت ظاهرة القهر والإكراه وإجبار المحكومين على إتباع سلطة قوة أكبر منها .
إلا أن هذه النظرية لاقت اعتراضاً كبيراً ، إذ أنها لا تفسر انصياع الناس لسلطة دولة والتزامهم بقوانينها ، لأن إطاعة الدولة لا يبرر دائماً وجود سلطة تمارس الإكراه والقوة . وبالتالي لا يمكن إعطاء صفة دولة على كل جماعة مكونة من حاكم ومحكوم ، وإلا لكان أطلق اسم دولة على نادٍ للرياضة ، أو حتى على الحزب .
ولعل ابن خلدون من أقدم المفكرين الذين ربطوا ظاهرة الدولة بظاهرة القوة ، و ذلك عبر :
-         الحرب والقتال وتغلب الأمم الوحشية على الأمصار المتحضرة .
-         بنمو إحدى العصبيات على أخرى .
-         اثر الدين في النفوس بما يبعثه من رغبة في الاستياء التغلب .
-         انقسام الدولة إلى اثنتين أو أكثر .
وفي كل الأحوال ربط أبن خلدون نشوء الدولة بظاهرة القوة وربط زوالها بزوال العصبية .
أما ماركس فكان له نظرية فريدة في نشأة الدولة .
تقوم هذه النظرية في الأساس على فكرة صراع الطبقات إذ أنه اعتبر أن الطبقات هي في صراع مستمر على السلطة ، وما أن تنتصر فئة حتى تصبح الحاكمة والأخرى محكومة ، وفي كل مجتمع لا بد من وجود طبقة مناهضة للطبقة الحاكمة , لذا ففي كل مراحل التطور حصل الصراع بين الطبقات الناتج أصلاً عن طبقة مستغِلة و أخرى مستغَلة ، طبقة حاكمة وأخرى محكومة .
هذا النظام يبين بوضوح انشقاق المجتمع إلى طبقتين متعارضتين وأن الصراع بينهم واقع لا مفر منه. وان هذا النظام سينهار وسيحل محله النظام الشيوعي الذي تسوده المساواة ، في هذا النظام تُلغى الطبقات ولن يعود هناك إلا طبقة واحدة . في النظام الشيوعي تفقد الدولة ضرورة وجودها لأنها أداة في يد الطبقة السائدة ، وبما أن الصراع الطبقي إلى الزوال ، سيزول في هذا النظام فلا مبرر لوجودها، فالدولة بحسب هذا المفهوم تستطيع ان تخفف من حدة هذا الصراع الطبقي و القضاء عليه وذلك من خلال تأكيد سيطرة طبقة على أخرى وإخفاء الشرعية على هذه السيطرة التي هي في أساسها ظاهرة قوة .
الباب الثاني : الدولة ظاهرة إرادية تعاقدية
تقوم هذه الفكرة على مبدأ التعاقد الاجتماعي بين الأفراد ، أي أن يتنازل كل فرد عن جزء من حقوقه الشخصية للمجموع ، ووظيفة هذه التعاقد هي حماية مصالح المتعاقدين بواسطة القوة الجمعية ، وبذلك تتحقق المساواة بين الجميع وتصبح إرادة الجموع نافذة ويتخذ كل فرد لقب مواطن نظير اشتراكه في السلطة ، وتصبح الأمة كلها صاحبة السيادة والسلطان . من أبرز المنظرين لهذه النظرية ، توماس هو بز ، جان لوك ، جان جاك رو سو .
انطلق هوبز في شرحه للنظرية بان الإنسان أناني بطبعه، فكيف ننتظر منه أن يحترم الآخرين ويبادلهم الثقة بدون وجود حكومة قوية تفرض الأمن والسلام؟! وتلزم المجتمع بتنفيذ أحكام العقد ومعاقبة المخالفين له . اذن لا بد من وجود حكومة قوية قادرة على حماية الناس والمجتمع، تمتلك قوة تنفيذ العهد ومعاقبة الفاسدين، الا ان العهد اوالعقد هو عقد فيما بين الناس اذ بموجبه يتنازل المرء اراديا عن كل حق وكل حرية يمكن أن تلحق ضرراً بالسلام العام لمصلحة الحاكم . اضافة الى ذلك يقول أن المجتمع ليس هيئة جماعية وانما شخص واحد هو الرئيس أو الحاكم . ومن الناحية الظاهرية المجتمع يعني الحاكم فقط . " أن المؤسسة ليست في الواقع هيئة جماعية على الاطلاق ولكنها شخص واحد ".[1]
أما جان لوك فاعتبر ان الدولة نشأت نتيجة لتوافق ارادي بين الناس و الحاكم وعلى عكس هوبز، الذي قال بان الدولة نشأت نتيجة توافق ارادي فيما بين الناس فقط، وبالتالي إذا اخل اطراف العقد أحد بنوده اعتبر لاغياً هذا يعني ان الحاكم اذا اخل بواجباته تجاه شعبه وجب عزله . وبالتالي ان الافراد لا يتنازلون عن حقوقهم للملك بل للمجتمع باسره .لقد آمن لوك بان السيادة هي للمجتمع بكامله وليست للملك كما أن الارادة الحقة ليست ارادة الحاكم بل هي الارادة العامة وهذه الارادة يجب ان يطيعها المجتمع شعباً وحكومة .
وأخيراً يرى جان جاك روسو ان الدولة نشأت نتيجة لتوافق ارادي، بموجبه "يضع كل فرد من أفراد المجتمع شخصه وكل قوته تحت ارادة عامة عليا" [2] . والشخص المعنوي العام الذي ينشأ من خلال اتحاد كل الأشخاص المتعاقدين هو الدولة، وهذا العقد هو تعبير عن القبول بالسلطة و بشرعيتها.
تبين لنا بعد التطرق الى بعض النظريات التي تفسر ظاهرة الدولة ،التي لا يمكن الإحاطة بها لتنوعها ووفرة الفلاسفة التي ناقشوها فالدولة لا تنشأ من فراغ انما نتيجة لاتحاد عدة عناصر ، ما هي هذه العناصر ؟
المبحث الثاني : عناصر الدولة
اختلف فقهاء علم السياسة في عناصر تكوين الدولة، فاعتبرهم البعض ثلاثة: الأرض، الشعب، السلطة ذات سيادة. بينما اعتبرهم البعض الآخر اربعة: الارض، الشعب، السلطة، وعنصر رابع هو السيادة.
ان عناصر تكوين الدولة ثلاثة: الارض ( الاقليم )، الشعب ( السكان )، السلطة السياسية، السيادة.
الباب الأول : الإقليم
يعرف الإقليم بأنه "القاعدة الفيزيائية لسلطة الدولة" فهو الإطار الذي يرسم حدود سلطة الدولة ، وبالتالي فإن الاقليم هو ميدان سريان المفعول المكاني للقواعد القانونية الموضوعة من قبل الحكام.
 الفقرة الأولى : أهمية الاقليم
للاقليم اهمية كبيرة لبناء الدولة المؤسساتية، فالاقليم هو الجامع لابناء الوطن ومصدر وحدتهم على تراب هذا الاقليم، فبدونه لا وجود لدولة ولا لمؤسسات. سابقاً لم يكن ممكناً الحديث عن دولة في ظل الترحال، بدون وجود أرض لا مجال ابداً للتكلم عن دولة، وهذا ما يفسر جهاد الشعب الفلسطيني من أجل استعادة اقليمه لبناء دولة موحدة .
الفقرة الثانية : دور الاقليم
يلعب الاقليم دوراً هاماً في تحديد هوية الجماعة وتحديد الاطار الجفرافي للسلطة وفي حدود الدولة.
أولاً : دور الاقليم في تحديد هوية الجماعة
ان للاقليم دوراص مهماً في هذه الإطار، اي في تحديد انتماء الفرد لوطن، لايمكن تصور وطن بدون ارض يقوم عليها، ووجود جماعة بشرية في حيز جغرافي يؤدي الى تمتين الروابط بين أفرادها، ويعزز انتماءها الى وطن بسبب تداخل مصالح هؤلاء ونمو العلاقات الاقتصادية وغيرها فيما بينهم، يسهم تدريجياً في تحويل هذه الجماعة الى أمة.
ثانياً : دور الاقليم في تحديد الاطار الجغرافي للسلطة
القليم هو الاطار الذي تُمارس ضمنه سلطة الدولة، فلا مجال للكلام عن سلطة للدولة خارج حدود الاقليم المعترف بها دولياً. ضمن هذه الحدود تمارس الدولة سلطتها على جميع المقيمين على اراضيها، فلسلطة السياسية الحق على طول امتداد الاقليم باتخاذ وتنفيذ القرارات.
الفقرة الثالثة : حدود الاقليم
ان أهمية الدولة تقرض رسم حدود واضحة له وفق نص القانون الدولي على عدة قواعد لتخطي هذه الحدود، غير أن تطبيقها يصطدم بمطامع الدول. ولحدود اقليم الدولة امتدادات ( المياه الاقليمية والمجال الجوي)، غير ان رسم هذه الحدود تبقى مجال خلاف بيت الدول على الصعيد الدولي، وتشكل مجلاً رحباً للتعديات، فمثلاً المجال الجوي الاسرائيلي يشمل المنطقة الممتدة من الاولي حتى الحدود الجنوبية، وفي ذلك خرق واضح للسيادة اللبنانية، وكذلك تشهد المياه الاقليمية اللبنانية تعديات متكررة من قبل الاسرائليين، ومع ذلك لا نشهد اي استنكار من قبل القانون الدولي الذي ينظمه.
 الباب الثاني : الشعب
ان صفة الدولة و سلطتها لا تمارس على الاقليم بل على الشعب الذي يقطن في هذا الاقليم، اذ ان الشعب هو عبارة عن مجموع السكان الذي يقطن اقليم محدد ضمن حدود معترف بها، ويمارس حقوقه المنصوص عليها في القوانين و الاعراف الدولية.
ويقسم السكان الذين يعيشون في الدولة الى قسمين:  المواطنون و الاجانب، وتمارس الدولة ساطتها عليها ولها الحق في ان تمنح الجنسية لمن تشاء، وهذه الجماعات التي يتكون منها الشعب تفترض وجود تماسك وتضامن كافة فئاته، وهذا الشعور يتجلى عند تهديد البلد بخطر خارجي.
ان الحديث عن الشعب كركن من اركان تكوين الدولة يفترض الحديث عن الدولة- الامةو الدولة متعددة القوميات.
الفقرة الأولى : الدولة – الامة
"الامة هي جماعات بشرية تشترك في اللغة والتاريخ والجغرافيا والمصلحةو في نطاق جغرافي تجمع بينها لغة مشتركة وتستند الى تاريخ مشترك وتشعر بان مصالحها ومصيرها مشترك".(3)[3]
تتشابك عدة عناصر في كوين الامة واهمها :
-         العرق: اعتبر النازيون ان الامة تقوم على وحدة الجنس والعرق. الا ان علماء الاجناس اكدوا على استحالة وجود جنس صافي لم يمتزج بجنس آخر.
-         اللغة: تلعب دوراً بارزاً في نشأة القومية، مثال على ذلك القومية العربية حيث تلعب اللغة دوراً اساسياً في ترسيخ الشعور القومي ، بينما نجد العكس في الدول الاوروبية.
-         الدين: يشكل الدين عنصراً مهماً في تدعيم القومية. وبالرغم من ذلك انه لم يحل دون وقوع الانفصال بين بنغلادش و باكستان عام 1971 رغم اشتراكهما في نفس الدين.
-         وحدة القيادة السياسية ، وغيرها من العوامل التي تساهم بشكل او بآخر في تاسيس القومية.
لكن مفهوم الدولة – الامة اتخذ منحاً عنصرياً مع الفاشيين في ايطاليا، والنازيين في المانيا، والصهاينة، التي ادت نزعتهم العنصرية الى تشريد شعب فلسطين من دياره واقامة دولتهم العنصرية عام 1948 .
الفقرة الثانية : الدولة المتعددة الامم والقوميات
هي بعكس الدولة القومية، تضم مواطنين ينتمون الى قوميات متعددة، تحتفظ كل منها بعاداتها وتقاليدها وثقافتها. تتخذ الدولة في اغلب الاحيان الشكل الفيدرالي كنظام حكم، لانه نظام يجمع التعددية في قالب واحد، له وجه ايجابي يتمثل بالغنى الثقافي والحضاري( أوستراليا، الولايات المتحدة ) ، ووجه سلبي يكمن في ضعف الشعور الوطني و الوطنية، و مع الزمن تؤدي هذه السياسة الى خلق مجتمع سياسي موحد وابرز مثال على ذلك الدولة السويسرية التي يتكون شعبها من اربع اثنيات ( المانية، فرنسية، ايطالية، ...) غير ان تجارب دول اخرى ادت الى الفشل ( تشكسلوفاكيا، يوغسلافيا، الاتحاد السوفياتي ).
الباب الثالث : السلطة السياسية
العنصر الثالث في تكوين الدولة هو السلطة السياسية اي وجود تنظيم قادر على القيام بمهام ووظائف الدولة على مستوى التشريع والحكم والقضاء، وبالتالي قادر ثانياً على تامين سلامة الاقليم وعلى حماية السكان وتوفير اسباب التطور لهم عن طريق الخدمات العامة ، قادر تجاه الخارج على تحمل مسؤولية الاحداث التي تقع فوق الاقليم.
فالسلطة السياسية هي سلطة القيادة العليا، وهي الوجه الآخر للسيادة التي تتجسد عملياً في حكومة قادرة على تامين الاستقرار في الداخل وعلى الالتزام بتعهداتها على الصعيد الدولي .
ان السلطة السياسية تحتاج الى شرعية لتبرر وجودها، ولكي تستمر هذه السلطة عليها ان تحظى بقبول وثقة المحكومين، وبالتالي ان رفض الشعب لحكومة من الحكومات ، تعرضها للانهيار كانهيار الحكومات التي قامت على السلطة والاستعباد .
الباب الرابع : السيادة  
العنصر الرابع في تكوين الدولة هو السيادة ، الذي يعني ان لا سلطة تعلو فوق سلطة الدولة ، اي سلطة على المستوى الداخلي، وبالتالي لا تخضع لاي سلطة على المستوى الدولي .
على الصعيد الداخلي، بامكان الدولة ان تفرض قراراتها على الجماعات الاخرى حتى ولو اقتصر الامر استعمال القوة، وتمتاز ايضاً بان لها كلمة الفصل . على الصعيد الخارجي لا يمكن لاي دولة او منظمة دولية ان تفرض ارادتها على سلطة دولة ذات سيادة.
هذا هو مفهوم السيادة المطلقة التي تبلور مع بروز الدولة الحديثة، عندما كان الملك يرفض اي سلطة خارجية . الا ان فكرة السيادة المطلقة لو يكن من المقبول العمل بها في هذا العصر، نظراً لتشابك المصالح بين الدول، اذ لم يعد بامكان اي دولة مهما علا شانها ان تنعزل وتكتفي ذاتياً بل انها بحاجة لغيرها من الدول لاشباع حاجاتها، وثمة اتجاه عالمي اليوم يهدف الى وضع حدود دولية جديدة للسيادة الوطنية لجهة احترام الحريات وحقوق الانسان .
بالاضافة الى ذلك ، نصت المادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة على التالي:" تقوم هيئة الامم المتحدة على مبدا المساواة في السيادة بين جميع اعضاءها ."
الا انها بقت حبراً على ورق ، اذ ان هذه الممارسات تؤكد ان الدول الكبرى تسيطر على سير مقررات مجلس الامن في منظمة الامم المتحدة ويبقى دور الدول الصغيرة هامشياً . وفي العصر الحديث لم يعد من الممكن التستر على مدى الاختراق الحاصل لسيادات الدول في العالم من قبل الدول الاخرى وعلى راسها الولايات المتحدة الاميركية، بدءاً من احتلالها لافغنستان ، والعراق وتدخلها في الشؤون الداخلية للبنان، وغيرها من الامور التي تعتبر خرقاً لمبدأ المساواة بين أعضاء الهيئة .
المبحث الثالث : أشكال الدول
يمكن تقسيم الدولة الى ثلاث فئات رئيسية : الدولة الموحدة أ البسيطة ، الدولة الفيدرالية أو الإتحادية، إتحاد الدول .

الباب الأول : الدولة الموحدة
تعتير الدولة الموحدة الشكل الأكثر بساطة وسرياناً بين الدول . انها واحدة في تركيبها ، وهي لا تحتوي سوى على جهاز حكومي واحد . وهي تضم نوعان من الدول : الدولة المركزية ، والدولة اللامركزية .
الفقرة الأولى : الدولة المركزية
تقوم على اساس تاسيس مركز جذب سياسي وتجميع للمؤسسات الدولتية ( بيروت بالنسبة للبنان ) حيث تتفوق سلطتها على مختلف سلطات الاقاليم والمقاطعات اضافة الى السلطات النقابية . وترافق المركزية السياسية مركزية ادارية تكتمل عندما تصبح كامل الادارة تتفرع من مركز منفرد وتخضع الى سلطة مركزية هي سلطة الدولة .
الفقرة الثانية : الدولة اللامركزية
تحت وطأة ازدياد المسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية للدولة و خوفاً من خطر الارهاق وفقدان التوازن ارتؤي اللجوء الى حل يعرف بالامركزية .
واللامركزية تعني توزع مراكز اتخاذ القرارات لا سيما على مستوى المسائل الادارية، وتنشأ اللامركزية عادة عن طريق اصلاح تشريعي اي ان الهيئات او الجماعات المحلية الاقليمية تمتلك حقلاً من الاختصاصات المحددة بالقانون وليس بالدستور ، فهذه الاختصاصات اعطيت الى الجماعات المحلية من قبل الدولة .
الباب الثاني : الدولة الفيدرالية
هي دولة مركبة او مؤلفة من عدة دول او دويلت اخرى بالستناد الى نظام دستوري مقارنة مع النظام الدولي، اذن نحن امام تطابق فئتين من الدول : في الاسفل توجد الدول الاعضاء او الدويلات التي تؤلف الفيدرالية وفي الاعلى توجد الدولة الفيدرالية التي تمثل الحكومة المشتركة .
الباب الثالث : اتحاد الدول
وهي على عدة اشكال :
الفقرة الاولى : الكونفيدرالية
تنشأ الكونفدرالية بالستناد الى تصرف من طبيعة الدولة عموماً – معاهدة – بعكس الفيدرالية التي تقوم بموجب تصرف من طبيعة داخلية – الدستور .
وتتالف من مجموعة من الدول التي تحتفظ باستقلالها الداخلي با وشخصيتها القانونية الدولية وعلى راسها توجد هيئات مشتركة ولكنها جزئية محدودة ، لا تختص بأكثر من تنظيم بعض الاغراض ، كتنسيق الشؤون الاقتصادية و الثقافية بين الدول الاعضاء ، أو تنظيم مسائل الدفاع بين هذه الاخيرة وغيرها من الامور المتعلقة بالعلاقات بين الدول .
الفقرة الثانية : الاتحاد الشخصي
يقوم بين دولتين او اكثر يجمع بينهما رئيس واحد ، وعليه فهو لا يُنشأ دولة جديدة حيث حيث تبقى الدول المؤلفة له مستقلة تمام الاستقلال من جميع النواحي الداخلية والخارجية .
الفقرة الثالثة : الاتحاد الفعلي
يصدر عن حاجة حقيقية مشتركة لدولتين او اكثر ، لا سيما على النستوى العسكري والديبلوماسي . ففي الحقل الديبلوماسي يجعل الاتحاد المذكور من السياسات الخارجيى للدول الاعضاء سياسة واحدة تمثل من قبل هيئة واحدة هي شخصية الاتحاد التي تذوب فيها مختاف الشخصيات القانونية للدول الاعضاء .
  
      الفصل الثاني : مفهوم العولمة
شهد النصف الثاني من القرن العشرين تحولات جذرية في التبادل التجاري : بروز الدول الصناعية الجديدة التي سعت لتلبية حاجات الاسواق العالمية، ارتفاع حدة المنافسة بين الدول والمنشآت العملاقة للسيطرة على الاسواق ، هذه التغيرات تعكس التحولات الحاصلة في الاسواق والتوازنات الاقتصادية بين الدول ، " وتشهد الاحداث على تلاشي الحدود الوطنية امام عولمة التبادل وظهور المرتكزات اللازمة للتفوق، وهي: مستوى التنمية البشرية، كفاءة المنشآت وقدرتها التنافسية."[4]
ما العولمة ؟ ما اشكالها ؟ ماهي آثارها السياسية ؟
المبحث الأول : نشأة العولمة و مفهومها
العولمة ظاهرة حديثة نسبياً ، انتشرت بسرعة فائقة في العالم لطرحها اشكاليات ومفاهيم عديدة ساهمت في رسم معالم الخارطة السياسية للعالم الحديث، اختلف العلماء في تحديد مفهوم هذه الظاهرة، الا ان الختلافهم الابرز كان في تحديد عام انطلاقتها، فاعتبر البعض ان عام 1991 هو عام ااطلاقتها ، بينما ذهب البعض الى العام 1995 ليعلن انطلاقة العولمة ( la mondialisme ) .
يذهب انصار الرأي الاول الى خطاب الرئيس الأميركي " جورج بوش " الاب امام الكونغرس الاميركي في آذار (مارس) 1991 ،الذي اعلن فيه بداية عصر جديد بقوله:"إنني ارى نصب عيني عالماً جديداً يظهر نظاماً عالمياً يتحقق فيه العدل والمساواة ويصنف الضعيف من القوي" واضاف ، "ولقد اجتزت انا ورفاقي الاميركيين هذا الاختبار، وان لم يكن النظام العالمي الجديد قد استطاع ان يضمن سلاماً ابدياً، وبما ان الحرب على الارهاب ليست آخر الحروب، فليكن هدفنا هو تحقيق سلام ثابت يعيش طويلاً."[5] بينما يرى انصار الرأي الثاني ان عام انطلاقة العولمة يعود الى عام 1/1/1995 تاريخ تأسيس منظمة التجارة الدولية التي اخذت على عاتقها تنفيذ اتفاقيات الغات[6] ووضع آلية لحل المنازعات التجارية وغيرها من الوسائل التي تهدف الى فتح الحدود امام التبادل التجاري .
وبناء على ذلك يمكن القول ان عام 1991 كان عام البناء النظري لظاهرة العولمة واستمر هذا لبناء الى عام1994 حيث دخلت العولمة حيز التنفيذ وبدأت تظهر آثارها جلياً في العالم. وهكذا فإن عام 1994 يمكن اعتباره ايضاً عام بداية الالفية الثالثة اي القرن الواحد والعشرين.
بعد تحديد عام انطلاقة ظاهرة العولمة لا بد من تعريف لها وتحديد مفهومها. وفي هذا الاطار نجد العديد من المفكرين قد اجتهدوا في هذا المفهوم، وهنا جملة من هذه المفاهيم:
العولمة "ليست إديولوجية جديدة للهيمنة تدعو بها القوى العظمى المسيطرة بقدر ما هي عملية تاريخية تعد نتيجة لازمة لتفاعلات معقدة سياسية وثقافية وعلمية وتكنولوجية" . [7]
العولمة "ديناميكية جديدة تبرز داخل العلاقات الدولية من خلا تحقيق درجة عالية من الكفاءة و السرعة في انتشار المعلومات والمكتسبات التقنية والعلمية للحضارة " .[8]
العولمة "وضع اقتصادي ناجم عن فتح الحدود للتبادل التجاري و المالي بفضل انتشار الليبرالية في اكثر ارجاء المعمورة" .[9]
أما خير الدين عبد الرحمن فعرف العولمة المطروحة حالياً بأنها عمليا تحقيق تسلط للنسق الاقتصادي الغربي بنموذجه الاميركي الاكثر قوة على الرغم من جوهره الاقتصادي ،فإن ابعادها الثقافية والاعلامية والعسكرية ومن ثم الحضارية الشاملة، متكاملة في خدمة هدفها النهائي ، [10]
واما السيد ولد باه فعتبر ان العولمة هي استفراد القوة الغربية والولايات المتحدة الاميركية على وجه الخصوص بمقدرات ومصالح المعمورة من اجل تكريس نموذج احادي ، [11]
واستناداً الى هذه المفاهيم، إن العولمة مشروع يهدف الى اخضاع العالم لقوى السوق العالمية، تنفيذاً لمخططات ومصالح الشركات الكبرى الاقتصادية .
وبناء على هذه المفاهيم ان للعولمة اشكال عديدة، تتنوع بين الاقتصادية وغيرها من الاشكال .
المبحث الثاني : اشكال العولمة
تنوعت اشكال العولمة وتعددت ابعادها على الرغم من جوهرها الاقتصادي إلا انها تخفي ابعاداً عديدة اقلها في سبعة ابعاد:
1-    العولمة الاقتصادية: تحرير التجارة الدولية من قيود الحدود والتعريفات الجمركية .
2-    العولمة الاجتماعية: جعل البشر في شتى انحاء العالم جزءاً من سوق استهلاكية استهلاكية عالمية موحدة تضم المنتجات نفسها والدعاية التجارية نفسها .
3-    العولمة الساسية: جعل النظام السياسي العالمي نطاقاً موحداً، عبر نشر اعتماد انظمة حكم متشابهة تعتمد على الديمقراطية كأساس لذلك النظام . 
4-    العولمة المالية: تشاهد عبر الزام دول العالم في تسعيرة عملاتها وموادها الاولية بالاسعار العالمية التي تصدرها البورصات الكبرى في العالم .       
5-    العولمة التكنولوجية: وهي عبارة عن انتشار الاجهزة التكنولوجية الجديدة في أرجاء المعمورة ومثال على ذلك اجهزة الكومبيوتر وبرامجها
6-    العولمة الثقافية: وتشاهد يوميا عبر انتشار انماط استهلاكية موحدة في العالم، فنرى البسة الجينز وبعض التعابير الاميركية اليومية تجتاح العديد من ثقافات العالم .
7-    العولمة البيئية: وهي عبارة عن توحيد مشاكل العالم البيئية التي تعاني منها جميع العالم على حد سواء. وجعلها قضية عالمية بأمتياز بعد عرض لاهم ابعاد هذه العولمة لا بد من القاء الضوء على العولمة السياسية واثرها على الدول وهذا سنتناوله في الفصل القادم .
المبحث الثالث : العولمة السياسية  
للعولمة ابعاد عديدة يصعب حصرها، ناهيك عن تشابكها وتقاطعها في العديد من الابعاد ، الا ان بحثنا يقتصر على السياسية منها.
لقد ذكرنا سابقاً ان العولمة السياسية هي جعل النظام السياسي العالمي موحداً، متحدياً إرادة الشعوب في تحديد مصيرها، عبر فرض انظمة حكم لا تتلاءم وعادات وتقاليد الشعوب. و الاخطر ما في الامر هو جعل البلاد مسرحاً للشركات المتعددة الجنسيات التي لا تتورع عن قلب انظمة حكم تحقيقاً لاهدافها، لذلك فان العولمة السياسية كما عرفها البعض " تقليل لفاعلية الدولة او تقليل دورها وبالتالي اعتبار الشركات المتعددة الجنسيات والمنظمات العالمية شريكاً للدولة في صنع قراراتها السياسية" .[12]  
لذلك فان العولمة السياسية هي استفراد القوى التجارية الدولية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالدول، وبالتالي نقل لسلطة الدولة الى مؤسسات عالمية لا تبغي الا تحقيق مصلحتها على حساب دول وشعوب عديدة، وبذلك تعمد الى سحق سلطة الدولة على ارضها، وتصبح المسير الاول لتلك السياسات على ارض الواقع ، ويظهر ذلك جلياً في رسم سياسات الولايات المتحدة الاميركية، اذ ان سيطرة هذه القوى بلغ حداً لا مثيل له، عام 1990 عند اقدام الرئيس بوش على القيام بحروب الخليج خدمة للشركات الكبرى العسكرية، ولا يخفى على احد مدى تدخل هذه الشركات في انتخاب الرئيس في الولايات المتحدة، وغيرها من الدول التي تخضع بشكل او بآخر لسيطرة الاحتكارات التجارية .
وتقوم العولمة السياسية في الاساس على الدعوة الى اعتماد الديموقراطية والليبرالية السياسية الحقوقية، وحقوق الانسان والحريات الفردية. الا ان هدفها الاول هو القضاء على سيادة الدولة وانهاء الحدود وذوبانها ، مهي اعلان لتكامل حقل الجغرافيا السياسية وقد تلجأ هذه القوى الى قلب نظام حكم في العالم خدمة لتلك الهاداف ، كما حصل في الاتحاد السوفياتي ، وكما تحاول الىن رسم خارطة جديدة لمنطقة الشرق الاوسط بعدما نجحت في رسمها في دول البلقان وفي اوروبا الشرقية، وذلك عبلا التخلص من ارث الامراطورية العثمانية واتفاقية سايكس بيكو "[13] ، وتقسيمها عملياً الى دويلات طائفية بعد اخذها موافقة الاقليات في تلك الدول ومنها لبنان على هذا التقسيم الذي يبدأ بالعراق مروراً بلبنان وغيرها ...

الفصل الثالث : مستقبل الدولة في ظل العولمة
قطعت العولمة اشواطاً بعيدة لجعل العالم قرية كونية، في ظل سيطرة القوى الاقتصادية الكبرى على اقتصاديات العالموعلى سياسة الدول في هذا العالم. هذا بالاضافة الى ثورة الاتصالات والتقنيات الحديثة التي حطمت المسافات، الامر الذي ادى الى تقلص العالم وانضغاطه. وتعتبر منظمة الامم المتحدة من ابرز الادوات المساعدة على عولمة الكون .
من خلال ما تقدم إن العولمة تشير الى التالي:
-         ان تنامي القانون الدولي، وتطور المنظمات الدولية يؤديان الى فقدان السلطة الوطنية لسيادتها .
-         ان تكامل الاقتصاد العالمي يقلل من قدرة الدولة على السيطرة على اقتصادهاويعرقل عمل الحكومات الوطنية ويضعف سلطة الدولة .
-         ان تنلمي الاتصالات الدولية جعل امر حماية الحدود الاجتماعية والسياسية صعبا للغاية .
-         ان الوحدة الوطنية قد تجزأت نتيجة التعددية الدينية والعرقية،ومطالب الاقليلت والجماعات المختلفة بالاستقلال عن الدولة .
هذه الملاحظات تؤدي الى مفهوم المجتمع العالمي والذي تصبح فيه الدولة ليست اكثر من الماضي .
ولم يعد خافياً على احد ان العولمة ادت الى نمو قوى راسمالية متقدمة على حساب قوى اخرى تشكلت من اغلبية الدول النامية التي كانت تدور في فلك تلك الامبراطوريات وبالتالي اصبحت هذه الدول قابعة تحت سيطرة هذه الاقطاب .
كنتيجة لمجموع العوامل التي سبق طرحها، هنا يُطرح سؤال، اي مستقبل للدولة في ظل العولمة .
ان تطور الدولة لم يكف منفصلاً بأي حال عن نشوء الكيانات العالمية، فكانت استقلاليتها مرتكزة على مبادىء السيادة الوطنية والمساواة ما بين الدول . لقد شكلت الدولة جزءاُ من نظام الدول التي اعتمدت على بناء القواعد والنظم العالمية ، وهذا ما ارسته معاهدة وستفاليا عام 1648، وضمنت حل المشاكل بين الدول الا ان تركت معظمها وجرى حلها بالعنف ،مع دخول عام 1945 ، دخلت دول العالم مرحلة جديدة وهي مرحلة الامن الجماعي الذي ارسته الامم المتحدة وضمنت حماية الامن والسلم الدوليين،لذلك ينظر الى الامم المتحدة بأنها"حكومة العالم الحقيقية والتي يتوقع في النهاية محل الدول"[14] .
ان عمليات الامم المتحدة المتخطية الحدود القومية، اصبحت اكثر وضوحا خاصة بعد العام 1990، و انتهاء الحرب الباردة. فالامم المتحدة تتدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول خاصة في العراق، والصومال والآن في ايران وسوريا ولبنان وغيرها من دوا العالم، ادواتها الاعلام المكثف والحقوق الانسانية استخدمتها كمبرر لتدخلها. هذا التدخل وجد ارضية صالحة له من خلال وجود منظمات غير حكومية مرتبطة مباشرة بالامم المتحدة لا تتدخل إلا إذا دُعيت لذلك بواسطة حكومة البلد العني. وبما ان الامم المتحدة لا تملك القوة العسكرية الخاصة بها، لذلك تعتمد على قوة الدول الاعضاء وعلى راسهم الولايات المتحدة الاميركية وهذا ما حصل مراراً في حروب الخليج بعد استعمالها لهيئة الامم المتحدة أداة لشرعنة القيام بالاعمال العسكرية .
وفي حربها للعراق، سعت الولايات المتحدة الاميركية ومعسكرها الى اخذ الشرعية من الامم المتحدة ، الا ان عدم اخذهم لموافقة الامم المتحدة لم يردعها عن القيام بهذه الحرب، دليل على سيطرة هذه القوة على الامم المتحدة وبالتالي تبرير التدخل في الدول تحت مصطلح الحروب الوقائية او المحافظة على السلام العام .
من جانب آخر ان تطور شبكة المعلومات وانتشارها وسهولة انتقالها، تتخطى الحدود القومية بما يشكل من تحدٍ حقيقي لسلطة الدولة .
ان التكامل الاقتصادي العالمي او ما يتفق عليه بفتح الاسواق ةاعتماد سياسات ليبرالية تقوم على العناصر المكونة لاقتصاد السوق الحر، يضعف من سلطة الدولة، كما ان حرية انتقال الاموال من بلد الى آخر أُثبتت من خلال سعي حكومات الدول الصناعية الى نبذ السياسات التي تهدد مصالحها وارباحها وتحد من انتقال الاموال بسرعة .
كما ان التكامل الاقتصادي العالمي يؤدي بالدولة الى اعتماد سياسات ليبرالية منفتحة جديدة من خلال تعديل الانظمة والقوانين، وجميعها تقلل من قوة الدولة في المجتمع وكمثال على ذلك ان دول العالو الثالث بدأت بترك التخطيط الوطني و الملكية الحكومية والتي كانت تعتبر سابقاً من اهم الطرق لتنمية اقتصادها . على الرغم من ذلك لا بد من القول بأن هذا التحول حصل بعد موافقة حكومات تلك الدول ولم يحدث فقط نتيجة القوى الاقتصادية العالمية .
بعد التكامل الاقتصادي جوبهت الدولة بتحدٍ آخر متمثل بالحركاتالاجتماعية، وغيرها من الحركات الداعية الى السلام والحركات النسائية والحركات البيئية التي اصبحت منظمة تنظيماً عالمياً .
ان هذه الحركات الاجتماعية تشكل تحدٍ لسلطة الدولة بارتكازها على قيم ومبادىء عالمية ومبادىء حقوق الانسان. لقد استعملت تلك الحركات الوسائل الحديثة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لتمتد عبر الحدود القومية لنقل الرسائل والمعلومات ولتحريك الرأي العام ضد الانظمة والسياسات والممارسات لبعض الدول .
لقد كان لنمو الحركات البيئية بشكل خاص آثاراً مفاجئة على الصعيد السياسي اذ انها حازت على اعتراف رسمي كمشاركين شرعيين في صنع السياسات الدولية. كما ارزت هذه الحركات تقدماً في جعل بعض الدول تعدل من برامجها ، مثال على ذلك فرنسا، التي ادت مطالبات الحركات البيئية الدولة بالمتناع عن متابعة برنامج التجارب النووية في المحيط الباسيفيكي لعام 1995 [15] .
من جانب آخر ان الحركات الاسلامية تعتبر من التحديات الاساسية التي تواجه مفهوم سلطة الدولة بارتكازها على قيم دينية التي تعطي الاولوية للهوية الدينية على الهوية الوطنية، ولذلك ان الحركات الاسلامية هي على نقيض مع سلطة الدولة لان مشروعها هو مشروع الدولة العالمية وليس مشروع دولة وطنية بسيطة، لذلك ان العولمة ساعدت كثيراً على انتشار هذه الحركات كما ساهمت في خدمة اهدافها ومبادئها .
" أن التحركات والحركات المتخطية للحدود القومية شكلت تحدياً للدولة " [16].
هذه التحركات والحركات يكون من الصعب على الدولة مراقبتها او التعامل معها، مع أن تحقيق اهدافها ضمن الدولة ليست امراً سهلاً، مع العلم أن تأثيرات هذه الحركات يبقى اقل بكثير من تاثيرات الحركات العمالية الداخلية وغيرها، الا ان هذه التحركات فشلت حتى الان في تكوين اتحاد عمالي تواكب فيه العولمة . إضافة الى ذلك ان التطورات المتلاحقة التي تشهدها تكنولوجيا المعلومات هو تحد للدولة بشكل او بآخر، الا ان هذه التكنولوجيا تمد الدولة بوسائل متطورة لنشر اهدافا وسيادتها وايديولوجيتها عبر حدودها القومية كما تمدها بوسائل المراقبة والضبط على أرضها .
خلاصة القول ، انه حتى الآن لا توجد مؤشرات واضحة على زوال الدولة في ظل بروز ظواهر المجتمع العالمي، لان قوة الدولة تكون في مرونتها ،وقابليتها على التكيف يتغيير الاحوال والازمنة والظروف مما يعني انها قادرة على ان تاخذ الاشكال السياسية المختلفة وتتعايش مع تعدد الايدلوجيات والحركات الفكرية والدينية والسياسية.
صحيح أن العولمة غيرت مجرى العالم، لكن ذلك لا يعني ان هناك مجتمعاً عاملياً جديداً يحل محل المجتمع العالمي ، لأن مجتعنا مجتمع عالي التنظيم والدقة، ويقوم على أساس علاقات واتصالات متفاعلة ومركبة بين الفئات والطبقات في المجتمعات الإنسانية التي تتميز دوماً بالمستويات المختلفة على كافة الصعد .

الخاتمة
على الرغم من إختلاف التفاسير حول نشأة الدولة ، فمنهم من اعتبرها ظاهرة قوة ناجمة عن توافق  ارادي ، ومنهم من اعتبرها ظاهرة قوة ناتجة عن صراع ارادات ، شكلت الدولة بمفاهيمها ومضامينها، وما تزال الملاذ الآمن لكافة عناصر الشعب، ضمن حدود معترف بها دولياً ، وتخضع للاتفاقات والالتزامات الدولية ومنها العولمة ، في جميع اشكالها موحدة كانت أو فيدرالية أو حتى كونفدرالية .
وتقوم هذه الدولة بادوار مميزة في المجتمع ، لتأمين الرفاهية و الامن للمجتمع ، وتفرض سلطتها وسيادتها على جميع اراضي الدولة وحدودها، الا ان تامين هذه الادوار يصطدم بمعوقات العولمة التي فرضت نفسها متدخلة في ادوار الدولة الداخلية وغيرها، لذلك اعتبرت العولمة أخطر تحد تواجهه الدولة، وبدأ التلويح بمجتمع عالمي يحل محل المجتمعات الدولتية.
وخلاصة القول، انه على الرغم من ان العولمة تشكل تحدياً للدولة الا ان هدفها ليس القضاء على الدولة، وكذلك الدولة ليس هدفها محاربة العولمة، بل هدفها هو التعاون مع العولمة وتتفاعل معها في سبيل الاستفادة من ايجابياتها لتفعيل هذا الدور ، ولذلك يجب البحث حالياً في مفاهيم جديدة للدولة غير التقليدية لتواكب العصر، ولمنع الجمود في الفكر السياسي وجعله مرناً يتعايش مع اي متغيرات جديدة بشكل لا يتعارض مع المبادىء و المثل الاساسية .
ان العولمة كما عرفها البعض مسار لتطور تاريخي ، وانتقال الدولة من موقع الى آخر ، وهنا يفرض السؤال نفسه ، ما بعد العولمة ؟